مقاومة الإنسولين حالة تصبح فيها خلايا الجسم بالأخص العضلات والكبد والدهون أقل استجابة لتأثير هرمون الإنسولين، ما يعيق إدخال الغلوكوز إلى الخلايا ويُبقيه مرتفعًا بالدم. يستجيب البنكرياس بإفراز المزيد من الإنسولين، فيحدث فرط إنسولين مزمن قد يُمهّد لاحقًا لارتفاع السكر وظهور السكري من النوع الثاني واضطرابات أخرى أيضية.
تبسيط لمعنى مقاومة الإنسولين
تخيّل أن جسمك مثل مدينة كبيرة، والخلايا فيها مثل البيوت. كل بيت يحتاج إلى مفتاح ليدخل إليه الغذاء (الجلوكوز). هذا المفتاح هو هرمون الإنسولين. عندما نأكل، يفرز البنكرياس الإنسولين ليحمل السكر من الدم ويدخله إلى الخلايا، فتأخذ طاقتها وتعمل بكفاءة.لكن أحيانًا، مع مرور الوقت والعادات الغذائية الخاطئة، تبدأ الأبواب (الخلايا) في التوقف عن الاستجابة للمفتاح. كأنك تحاول فتح باب منزلك بنفس المفتاح، لكن القفل أصبح صديئًا ولا يفتح بسهولة. هنا بالضبط تحدث مقاومة الإنسولين. البنكرياس يفرز المزيد من الإنسولين ليُفتح الباب، لكن الخلايا لا تستجيب جيدًا. النتيجة؟ يبقى السكر في الدم بمستوى عالي، ويتعب البنكرياس من تكرار المحاولة.
مقاومة الانسولين من الناحية الفيزيولوجية
تقع المشكلة أساسًا في العضلات (تقلّ قابلية امتصاص الغلوكوز)، والكبد (يزيد إنتاج الغلوكوز)، والنسيج الدهني (يزيد تحلّل الدهون ووسائط الالتهاب)، ما يفاقم الالتهاب منخفض الدرجة ويعطّل الإشارات الخلوية للإنسولين. المحصلة الناتجة هي سكر أعلى، ونهم مع فرط الإحساس بالجوع وبالتالي دهون ثلاثية أعلى، وضغط أعلى، وسمنة ملحوظة.
لماذا تهمّك مقاومة الإنسولين حتى إن لم تكن مُصابًا بالسكري؟
لأنها ترتبط بمتلازمة الأيض (بدانة مركزية، ضغط مرتفع، دهون غير طبيعية، سكر مرتفع)، وكذلك الكبد الدهني، وأمراض القلب، وقد تؤثّر على الخصوبة لدى النساء (تكيس المبايض). التعامل معها مبكرًا يقلّل مخاطر السكري وأمراض القلب مستقبلًا.
قد يظن البعض أن ارتفاع السكر في الدم أمر بسيط، لكنه في الحقيقة بداية سلسلة معقدة من المشاكل الصحية:
- زيادة الوزن وصعوبة خسارته.
- الشعور الدائم بالتعب حتى مع الراحة.
- الجوع المستمر والرغبة الشديدة في الحلويات.
- اختلال الهرمونات خاصة عند النساء (تكيس المبايض مثلاً).
- زيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
- مشاكل في القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل.
الأسباب وعوامل الخطر لمقاومة الانسولين
لكسر حلقة مقاومة الانسولين ومعرفة طرق العلاج؛ لابد أولًا من التطرق لمعرفة أسباب تلك المشكلة والتي تتلخص في التالي:
- الوراثة والتاريخ العائلي؛ حيث تزيد الاحتمالية مع وجود سكري أو بدانة بشكل ملحوظ في العائلة.
- السمنة وتوزّع الدهون الحشوية وهي الدهون المتكونة حول الأعضاء؛ فتلك أشد ارتباطًا بالمقاومة من الدهون تحت الجلد، ومحيط خصر مرتفع مؤشر قوي للخطر.
- الخمول البدني وقلة الحركة تخفّض حساسية العضلات للإنسولين؛ وبالطبع العكس صحيح فالنشاط المنتظم يحسّنها.
- النظام الغذائي عالي السكريات والكربوهيدرات المكرّرة حيث إن الإفراط في السكريات السريعة والطحين الأبيض والمشروبات المحلاة يرفع سكر الدم والإنسولين ويزيد تخزين الدهون.
- النوم والضغط وتوقف التنفس الانسدادي أثناء النوم، فقلة النوم والضغط المزمن يرفعان هرمونات الإجهاد ويزيدان المقاومة؛ توقف التنفس أثناء النوم شائع لدى ذوي البدانة ويزيد المشكلة.
- بعض الأدوية (كالكورتيكوستيرويدات) وحالات هرمونية قد ترفع المقاومة.
لابد لنا من الإشارة إلى أهمية تقييم الطبيب ضروري لكل حالة؛ فمثلًا في النقطة الأخيرة المذكورة فالطبيب هو من يحديد تأثير الأدوية على حالتك الصحية، وكذلك هو من يقدر التغيرات الهرمونية وتأثيرها.
الأعراض والعلامات التي قد تثير الشك
لكي يكون هذا هو الدليل الشامل لك؛ فإليك أعراض مقاومة الانسولين:
- تعب بعد الوجبات، جوع مفرط، رغبة شديدة في السكريات.
- زيادة محيط الخصر ووزن يصعب فقدانه.
- بقع مُسَمّرة مخملية حول الرقبة وأحيانًا الإبطين.
- بخصوص النساء؛ عدم انتظام الدورة، حب الشباب، نمو شعر زائد (ارتباطًا بتكيّس المبايض).
- ضغط مرتفع ودهون ثلاثية مرتفعة مع HDL منخفض.
هذه العلامات لا تكفي للتشخيص، لكنها تُبرّر للتوجه للطبيب لفحصك والاطمئنان على حالتك الصحية.
كيف يتم تشخيص مقاومة الإنسولين؟
يتم عمل بعض الفحوصات السريرية والمعملية لتحديد وجود مقاومة الانسولين:
- محيط الخصر، ومؤشر كتلة الجسم BMI، وضغط الدم.
- سكر صائم، اختبار تحمّل الغلوكوز الفموي OGTT ، دهون الدم.
- تحليل السكر التراكمي A1C.
- الكشف عن وجود تكيسلا باالمبايض.
ارتفاع السكر صائم مع دهون ثلاثية وزيادة مؤشر كتلة الجسم تشير إلى وجود مقاومة الإنسولين.
كسر حلقة مقاومة الانسولين
العلاج غير الدوائي هنا هو حجر الأساس. سأنظم لك الموضوع بكل سلاسة للتعامل الناجح مع تلك المشكلة.
خسارة الوزن كهدف واقعي
توصي المعايير الدولية بأن خسارة 3–7% من الوزن تُحسّن المؤشرات الأيضية، وقد يستهدف بعض المرضى خسارة أكبر (حتى 15%) لتحسينات أكبر. لأن حتى 5–10% نزولًا في الوزن يُحسّن من حساسية الإنسولين، والدهون الثلاثية، وضغط الدم بشكل ملموس. وهنا قد يهمك معرفة جلسات الكافيتيشن والهايفو لتخسيس البطن كجلسات موضعية.
النشاط البدني
تغيير لنمط حياة صحي
ساعات نوم منتظم يعيد توازن الهرمونات والشهية. تقنيات تخفيف الضغط مثل: تنفّس عميق، تأمّل، صلاة وخلوة، يوغا ومشي هادئ. الإقلاع عن التدخين يحسّن صحة الأوعية وحساسية الإنسولين ويقلل خطر أمراض القلب. الإجهاد المستمر يرفع هرمون الكورتيزول، الذي بدوره يرفع مستوى السكر ويجعل الجسم أكثر مقاومة للإنسولين. والنوم السيئ يزيد المشكلة تعقيدًا.
خطة أسبوعية عملية لكسر حلقة مقاومة الانسولين
لابد من وضع هدف لكل أسبوع:- مشي 20–30 دقيقة باليوم × 5 أيام.
- 2 جلسات تمارين مقاومة (أثقال/حبال).
- تقليل النشويات البسيطة لأدنى حد والامتناع عن المعجنات واستبدالاها بالنشويات المعقدة مثل: خبز الشوفان والبطاطس المشوية.
- وجبتان غنيتان بالبروتين يوميًا (مثل: بيض+فول/عدس+دجاج/سمك).
- استبدال المشروبات المحلّاة بالماء أو الشاي غير المحلّى والأفضل هو الشاي الأخضر.
- إضافة خضار ورقية في الغداء والعشاء.
- نوم قبل منتصف الليل بساعة، وثبات مواعيد الاستيقاظ.
نموذج يوم طعام منخفض المؤشر الجلايسيمي:
- فطور: شوفان كامل + لبن/زبادي + توت/تفاح + حفنة جوز/لوز.
- وجبة خفيفة: خضار مقطّعة + حمّص مهروس.
- غداء: سمك مشوي + تبولة/سلطة خضراء بزيت الزيتون + عدس/حمص.
- عشاء: صدر دجاج/توفو مع خضار مشوية + كينوا/برغل.
- سناك اختياري: قطعة فاكهة كاملة أو 5 حبات مكسرات.
الميتفورمين وعلاج مقاومة الإنسولين
مادة الميتفورمين هي دواء قديم وفعّال يُحسّن حساسية الإنسولين ويقلّل إنتاج الغلوكوز الكبدي، ويُستعمل في ما قبل السكري عالي الخطورة (خاصة مع السمنة/تاريخ سكري حملي/ارتفاع A1C قرب الحدّ التشخيصي). يُفضَّل إشراف طبي لتعديل الجرعة ومراقبة التأثيرات الهضمية ومستوى فيتامين B12 على المدى الطويل.
القرفة وأحماض أوميغا-3
قد يكون للقرفة أثرًا خفيفًا على الجلوكوز عند بعض الأفراد، وأوميغا-3 تدعم القلب وتخفيض الالتهاب أكثر من تأثير مباشر على مقاومة الإنسولين. يمكن استخدمها كمكمّل لنظام غذائي متوازن.
نواهض مستقبل GLP-1 (مثل سيماغلوتايد، وتيرزيباتيد)
هذه الفئة تخفض سكر الدم وتدعم نزول الوزن عبر إبطاء إفراغ المعدة وتقليل الشهية وتحسين الإشارات المركزية للشبع، وقد أظهرت دراسات حديثة فوائد قلبية وعائية معتبرة لدى مرضى معيّنين. وجدت تحليلات ودراسات واقعية حديثة فوائد واسعة تتجاوز ضبط السكر إلى القلب والكِلى والوزن، مع ضرورة التقييم الفردي والفوائد مقابل الآثار الجانبية الهضمية والتكلفة.
تنبيه هام: اختيار الدواء وجرعتة وتقييم الملاءمة (مثل: تاريخ التهاب بنكرياس، حصوات المرارة، الحمل أو الرضاعة) قرار سريري بحت، مسؤول عنه الطبيب المعالج.
الخلاصة
مقاومة الإنسولين ليست مرضًا نهائيًا مثل السكري من النوع الثاني، بل هي مرحلة تحذيرية. إذا تعاملنا معها بجدية في وقت مبكر، يمكن عكسها تمامًا والعودة إلى التوازن. لكن إذا تم تجاهلها، فإنها تتحول إلى دائرة مغلقة من زيادة الوزن وارتفاع السكر والمضاعفات المزمنة.